Skip to main content

Blog entry by Sam Sam

الحمد لله رب العالمين، الذي جعل الدعوة إليه سبيل النجاة، وشرَّف أمة الإسلام بحمل رسالة الهدى إلى العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، محمدٍ ﷺ، الداعية الأول الذي أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه الذين ساروا على دربه، وبلغوا الدين بصدقٍ وإخلاص. أما بعد:
فالدعوة إلى الله مهمةٌ عظيمة، تحتاج إلى قلوبٍ عامرة بالإيمان، ونفوسٍ زكيةٍ تتحلى بصفاتٍ تليق بحمل أمانة تبليغ دين الله، فالداعية ليس مجرد ناقلٍ للمعارف، بل هو قدوةٌ يتجسّد الإسلام بسلوكه قبل قوله، وتَصِلُه بالله تعالى أوثق الصلات. ومن أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها الداعية: قوة الصلة بالله، فهي الأساس الذي يُبنى عليه نجاح دعوته، واستقامة طريقه، وقبول الناس لتوجيهه.
فكيف يُحقق الداعية هذه الصفة؟ وما علاماتها في حياته العملية؟ هذا ما سنتناوله في مقالنا.
 
على الداعي أن يكون قوي الصلة بالله تعالى، دائم الخوف منه، يراقبه في كل صغيرة وكبيرة، متصلًا به ليلَ نهارَ، يعبده كأنه يراه، شعاره تقوى الله، والبُعْد عن كل حرام ومكروه، واجتناب الشبهات، فيترك الحلال أحيانًا مخافة أن يقع في الحرام.


إذا تهاون الناس في أمر دينهم وتراخوا في واجباتهم وأداء السنن وسَمَّوا الحرام بغير مُسمَّاه؛ نجد الداعية ما زال ثابتًا على الدين وقيمه ومبادئه، أمور كثيرة قد تكون بسيطةً في أعين الناس هي عند الله عظيمة: كالرشوة باسم الإكرامية، والانصراف من العمل قبل مواعيده الرسمية أو الحضور بعدها، أو التساهل في الحرام والمكروه، وغير ذلك من مُحرَّمات انتشرت بين الناس، وأوجدوا لها مُبرِّرات أو سمَّوها بغير مسمياتها، فيتجنَّب الداعية ما يغضب الله حتى لو شاع بين الناس، فرِضى الله ومحبته عنده هو الأساس، لا يُزعزع صلته بالله إحساسه بالغربة ولا بكلام الناس.
وإذا كان الإيمان العميق ضروريًّا لكل مسلم، فهو للداعي أشدُّ ضرورة، ومع اعتماد الداعي على الله في كل أموره، فإنه يثق في ربِّه ثقةً كاملةً بأنه يحفظه وينصره، ويدفع الشرور عنه؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الحج: 38]، وقال: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [الصافات: 171- 173]، وما دام الداعي ينصر الله؛ أي: ينصر دينه بالدعوة إليه، فإن الله تعالى ناصره؛ يقول تعالى: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج: 40]، فعلى الداعي أن يتيقَّن ذلك، ولا يشك فيه أبدًا.


والداعي لا ييأس أبدًا؛ لأن اليأس لا يتسرَّب إلى القلوب الموصولة بالله؛ المطمئنة به المتوكلة عليه، وإنما يدخل قلوب الكافرين المنقطعة صلتهم بالله؛ قال عز من قائل: ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف: 87].
وعلى الداعية أن يتفكَّر في خَلق الله تعالى، ويتأمَّل ويتفكر في آيات الله المبثوثة في نفسه وفي الكون، ويتدبر آيات القرآن الكريم فذلك يزيد من صلته وعلاقته بربه عز وجل.


وهذا الإيمان الراسخ من الداعية يؤدي حتمًا إلى التوكُّل الدائم على الله والاستسلام له بلا تردُّد؛ لأنه ما دام قد ثبت في نفسه ثُبوتًا جازمًا أنه لا فاعل إلا الله، ولا خالق إلا الله واعتقد أن الله هو مصرف الشهور ومدبر الأكوان، فيتوكَّل على الله ويعتمد عليه في كل أموره، ويكون على يقين وثقة أن الله معه، فلا يخاف من أحد سواه، ولا يعتمد على أحد إلا إيَّاه.
وهكذا كان النبي ﷺ كلما مرَرْنا بسيرته رأينا صدق اعتماده وتوكُّله على الله، وعظيم تضرُّعه والتجائه إلى مولاه؛ نتذكَّر موقفه وهو في طريق عودته من الطائف بعدما آذوه ﷺ، ورموه بالحجارة، لمن لجأ؟ ولمن بثَّ شكواه؟ لجأ النبي ﷺ إلى الله عز وجل، وناداه في تضرُّع وخشوع: "اللهم إليك أشكو ضعف قوَّتي، وقلَّة حيلتي، وهواني على الناس، أنت ربُّ المستضعفين وأنت ربي، إلى مَنْ تَكِلُني؟ إلى بعيد يتجهَّمني أم إلى عدوٍّ ملَّكْته أمري؟ إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي..".


فعلى الداعية -بل وكل مسلم- اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يعلقوا به القلوب، ويخلصوا له التوجُّه والقصد، وأن يفرغوا قلوبهم وأنفسهم من كل اعتماد أو توكُّل على غيره.
إن قوة الصلة بالله ليست مجرد صفةٍ تُكتسب بالتمني، بل هي ثمرةٌ لاجتهادٍ دائم في الطاعة، والاستغفار ومراقبةٍ لله في السر والعلن، وتعلقٍ بالقرآن والسنة، وتأسٍّ بنبي الرحمة ﷺ. فالداعية الذي يوقن أن الله معه حيثما كان، وأن نصره مرتبطٌ بنصر دينه، لا يخشى الناس، ولا تزلزله الفتن، ولا ييأس من روح الله.


وختامًا، فإن الدعوة إلى الله أمانةٌ تحتاج إلى إخلاصٍ وتجرد، فالداعية الناجح هو من يجعل رضى الله غايته، ويستمد قوته من مناجاة ربه، كما فعل النبي ﷺ حين لجأ إلى الله في أحرج اللحظات، فكانت عافيته أوسع، ورحمته أقرب.
فلنكن كالغيث أينما وقع نفع، ولنُذكر أنفسنا بقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (فصلت: 33).


اللهم اجعلنا هداةً مهتدين، ولا تجعلنا ضالين ولا مضلين، وارزقنا الإخلاص في القول والعمل، واجعل دعوتنا نورًا يهدي إلى صراطك المستقيم. وارزقنا قوة الصلة بك والارتباط بدينك وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.