
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، محمدٍ ﷺ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن الدين الإسلامي دينٌ مُتكامل، يقوم على أصلين عظيمين هما القرآن الكريم والسنة النبوية، وهما المصدران الرئيسان اللذان ترتكز عليهما عقيدة المسلم وشريعته وأخلاقه، فمن أراد أن يتعلم دينه حقًّا، ويبني حياته على أساسٍ متين، فعليه أن يلجأ إلى هذين النورين، يستقي منهما العلم، ويستهدي بهديهما في كل شؤونه وحياته.
القرآن الكريم: كلام الله المُعجِز
القرآن هو الكتاب السماوي الخالد، المُنزَّل على النبي محمد ﷺ، والْمُحفوظ بحفظ الله من التحريف. يقول تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (الحجر: 9). فهو ليس مجرد كتاب يُتلى في المناسبات، بل هو منهج حياة ودستور متكامل الجوانب، يُجيب عن أسئلة الوجود الكبرى، ويُرشد إلى الحق في الشريعة والعقيدة، ويضع الحدود في التشريع، ويُربي النفوس على الأخلاق الفاضلة، والمبادئ السامية.
تلاوة القرآن عبادة، وفهمه ومعرفة معناه واجب كل إنسان بحسبه وجهده، وتدبره سبيل للهداية. ففي كل آيةٍ عظةٌ، وفي كل سورةٍ منهجٌ. يقول الله تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (ص: 29). لذا، كان من اللازم على المسلم أن يجعل له وردًا يوميًّا من التلاوة، مع الحرص على التدبر و التفسير من خلال كتب التفسير المعتمدة، كتفسير ابن كثير أو السعدي، لتجنب الفهم الخاطئ.
السنة النبوية: هي التطبيق العملي للقرآن، فهي كل ما صدرعن النبي ﷺ من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ. فما كان من عموم في القرآن فقد بينته السنة ووضحته، كأحكام الزكاة والطلاق وما أجمله القرآن فصّلته السنة وقيدته. يقول الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ (النحل: 44).
فالصلاة -مثلًا- التي هي عمود الدين، ذُكرت في القرآن إجمالًا، بينما جاءت السنة لتبين أوقاتها، وشروطها وواجباتها و سننها وأذكارها.
ولولا السنة لضاع المسلم في كيفيات العبادات والمعاملات. وقد حذّر النبي ﷺ من إهمال سنته
فقال ﷺ: (ألَا هلْ عسى رجلٌ يبلغُه الحديثُ عنِّي وهوَ متكئ على أريكتِهِ، فيقولُ: بيْنَنا وبينَكم كتابُ اللهِ، فما وجَدْنا فيهِ حلالًا استَحْلَلْناه، وما وجدنا فيه حرامًا حرَّمْناه، وإنَّ ما حرَّمَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ كمَّا حرَّمَ اللهُ):صحيح الترمذي رقم: 2664
وقال: «تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي» (رواه مالك).
القرآن والسنة: شِقّان لا يفترقان
لا يمكن فهم القرآن بمعزل عن السنة، كما لا تُفهم السنة إلا في ضوء القرآن. فهما كجناحي طائر، لا يستغني أحدهما عن الآخر. فالسنة تُفسر المُجمل في القرآن، وتُخصص العام، وتُقيد المطلق. ومثال ذلك أن القرآن أمر بالزكاة، وجاءت السنة لتبين مقادير الزكاة وشروطها و أنواعها وأصحابها ومصارفها وغير ذلك من أحكامها.
وفي المقابل، فإن القرآن والسنة لا يتعارضان أبدًا لأنهما من مشكاة واحدة، فكل حديثٍ يُعارض القرآن يُردُّ، لأن النبي ﷺ لا ينطق عن الهوى، وهذه القاعدة تحمي المسلم من اتِّباع الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة.
فوائد التمسك بالقرآن والسنة:
1. العصمة من الضلالة: فمن تمسك بهما نجا من الانحراف الفكري أو العقدي.
2. وحدة الأمة: فالرجوع إلى المصدرين يمنع التفرق المذموم، ويجعل الأمة صفًّا واحدًا.
3. الصلاح الفردي والمجتمعي: فالتشريعات القرآنية والنبوية تُصلح القلب والمجتمع.
4. الفهم الصحيح للدين: بعيدًا عن التأويلات الخاطئة أو الأفكار الدخيلة.
أيها المسلم: يا من تريد صلاح قلبك ودنياك وآخرتك، اجعل القرآن جليسك، والسنة ميزان أعمالك .
اقرأ القرآن بتدبر، وادرس السيرة النبوية والأحاديث الصحيحة بتمعن، واستعن بكتب العلماء الموثوقين. وتذكر قول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن" رواه ابن جرير .
فالدين ليس مجرد عباداتٍ شكلية، ولا طقوس مرئية بل هو منهجٌ متكامل، وحياة مليئة بعبودية الله، ولا يُعرف ذلك إلا بالعودة إلى مصدريه الأصيلين، فاغتنم حياتك، وتعلَّم دينك.