Skip to main content

Blog entry by Sam Sam

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
إن بناء الأسرة في الإسلام يقوم على أسس متينة من الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين، لضمان استقرار الحياة وسعادتها، وقد أولى الإسلام هذه العلاقة عناية فائقة، فجعلها ميثاقًا غليظًا تقوم عليه المجتمعات، وأوضح القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة تفاصيل هذه الحقوق بوضوح وجلاء، لتكون منارة هادية لكل زوجين يسعيان لمرضاة الله ونيل السكينة.

 
ومن أبرز هذه الحقوق وأساسياتها التي تضمن دوام العشرة بالمعروف، وتعزيز أواصر المودة والرحمة، هي: المعاشرة بالمعروف، والنفقة، والمعاملة الحسنة، والاحترام المتبادل.
فأما المعاشرة بالمعروف فهي أساس كل حق وواجب، وتشمل جميع جوانب العلاقة الزوجية، من قول وفعل، ومن ظاهر وباطن، وتعني أن يتعامل كل طرف مع الآخر بما يليق من حسن الخلق، وطيب الكلام، والعشرة الحسنة التي تجلب السكينة وتدفع النزاع. وقد حث القرآن الكريم على ذلك صراحة في قوله تعالى: "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا" (النساء: 19).
هذا الأمر الإلهي ليس خاصًا بالزوجة فحسب، بل يشمل الزوج أيضًا، فالحياة الزوجية شراكة تقوم على التفاهم والتعاون، وكل طرف مطالب بأن يسعى لراحة الآخر وطمأنينته، وأن يتقي الله في التعامل معه، ويبتعد عن كل ما يُمكن أن يُكدر صفو العلاقة، من سوء ظن، أو غلظة في القول، أو جفاء في المعاملة.
والنبي ﷺ كان خير قدوة في ذلك، فكان أحسن الناس عشرة لأهله، لطيفًا، وودودًا، وممازحًا، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "خرجت مع النبي ﷺ في بعض أسفاره و أنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس: تقدموا، فتقدموا، ثم قال لي: تعالي حتى أسابقك، فسابقته فسبقته، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم و بدنت و نسيت، خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: تقدموا، فتقدموا ، ثم قال: تعالي حتى أسابقك، فسابقته فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول: هذه بتلك" رواه أحمد.
كما كان ﷺ يُساعد في أعمال البيت ولا يتكبر على شيء.

وبخصوص النفقة، فهي حق أصيل للزوجة، وواجب على الزوج، وهي من أعظم الحقوق المالية التي أوجبها الإسلام. 
تشمل النفقة توفير الطعام والشراب والكساء والمسكن، وكل ما تحتاجه الزوجة في حياتها بالمعروف، حسب قدرة الزوج واستطاعته.
وقد جاءت النصوص الشرعية صريحة في وجوبها، قال تعالى: "لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا" (الطلاق: 7).
وهذا الواجب ليس مجرد التزام مادي، بل هو دليل على تحمل المسؤولية ورعاية الأسرة، وهو من أعظم القربات إلى الله، فقد قال النبي ﷺ: "دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك؛ أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك" (رواه مسلم).
وقد كان النبي ﷺ حريصًا على توفير حاجات أهله، وكان يُكرم نساءه، ويُعطيهن حقوقهن كاملة، مما يدل على أهمية هذا الحق في بناء الحياة الزوجية المتوازنة.

وأما المعاملة الحسنة، فهي ركن أساسي لديمومة المودة، وتتجاوز مجرد عدم الإيذاء لتشمل الإحسان واللطف والمودة، فالحياة الزوجية ليست مجرد عقد، بل هي رباط روحي وعاطفي يتطلب التعامل برفق ولين، وتجاوز الأخطاء، والتغاضي عن الزلات، والنصح بلطف، والمواساة عند الشدائد. 
وقد حث النبي ﷺ على ذلك بقوله: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" (رواه الترمذي).
هذه المعاملة لا تقتصر على الكلام الطيب فحسب، بل تشمل الأفعال التي تدل على الاهتمام والرعاية، والتقدير والشكر، والوفاء والصدق.
كان رسول الله ﷺ قدوة في المعاملة الحسنة، فكان يُراعي مشاعر زوجاته، ويُصغي إليهن، ويُدافع عنهن، ويسعى لإسعادهن بكل الطرق المشروعة، حتى في أصعب الظروف.
ويأتي الاحترام المتبادل ليُكمل منظومة الحقوق الزوجية، فهو صمام الأمان الذي يحفظ العلاقة من التصدع.

يشمل الاحترام تقدير كل طرف لشخصية الآخر، لأفكاره، لمشاعره، لخصوصياته، ولعائلته. 
فلا يجوز لأي من الزوجين أن يُقلل من شأن الآخر، أو يسخر منه، أو يُهينه، أو يُفشي أسراره، أو يتعرض لأهله بسوء، قال النبي ﷺ: "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي منها آخر" (رواه مسلم).

هذا الحديث يُرسخ مبدأ التسامح وتقبل النقص في الآخر، والتركيز على الجوانب الإيجابية. 
إن هذه الحقوق الأربعة: المعاشرة بالمعروف، والنفقة، والمعاملة الحسنة، والاحترام المتبادل، ليست مجرد بنود في عقد، بل هي ركائز أساسية لبناء حياة زوجية مستقرة وسعيدة، تُحقق مقاصد الشريعة الإسلامية في السكن والمودة والرحمة.
فإذا التزم الزوجان بهذه الحقوق، واقتديا بسيرة النبي ﷺ العطرة في معاملة أهله، فإن الحياة الزوجية ستكون جنة على الأرض، ومصدر خير وبركة لهما ولأبنائهما وللمجتمع بأسره.