Skip to main content

Blog entry by Sam Sam


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
إن الدعوة إلى الله تعالى ليست مجرد دعوة لاتباع دين أو عقيدة، بل هي رسالة سامية وشاملة تهدف إلى نشر الخير والصلاح في كل جانب من جوانب الحياة، وإخراج الناس من ظلمات الجهل والفساد إلى نور العلم والإيمان، ومن دروب الشر والانحراف إلى سبل الخير والاستقامة.

 
فالإسلام بطبيعته دين إيجابي، يسعى إلى بناء الإنسان والمجتمع على أسس متينة من الحق والعدل والإحسان، وهذه الغاية النبيلة هي ما يميز الدعوة الإسلامية عن أي دعوة أخرى، لأنها لا تقتصر على صلاح الفرد في عبادته فحسب، بل تمتد لتشمل صلاح الأسرة، والمجتمع، والعلاقات بين الأمم، وصولاً إلى تحقيق العدالة الشاملة والخير العام في الأرض، إنها دعوة للتعمير لا للتخريب، وللبناء لا للهدم، وللإصلاح لا للإفساد.

 
وكل داعية يحمل هذه الرسالة النبيلة، يكون كالنور الذي يبدد الظلام، وكالغيث الذي يحيي الأرض بعد موتها، لأن همّه الأكبر هو تحقيق مراد الله في إقامة مجتمع صالح، ينعم بالفضيلة والتعاون والتراحم.
لقد أكد القرآن الكريم على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو جوهر الدعوة، وهو من خصائص هذه الأمة التي أرادها الله خير أمة أخرجت للناس. ففي سورة آل عمران يقول الله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ هذه الآية تربط خيرية الأمة بوظيفتها الدعوية التي تتمثل في نشر الخير ومحاربة الشر.
فالأمر بالمعروف يشمل كل ما هو خير وصلاح في الدين والدنيا، من توحيد الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وبر الوالدين وصلة الأرحام والعدل والصدق والأمانة، إلى كل ما ينفع الناس ويسهم في رقي المجتمع.
والنهي عن المنكر يشمل كل ما هو شر وفساد، من الشرك بالله والكفر والعصيان إلى الظلم والكذب والغش والفساد بجميع أنواعه. 
فالداعية ليس مجرد واعظ يتحدث، بل هو مصلح اجتماعي يسعى إلى إرساء معايير الخير والفضيلة في كل مكان يحل فيه.

 
كما أن القرآن الكريم يدعو إلى التعاون على البر والتقوى، كما في قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ وهذا التعاون هو أساس نشر الخير والصلاح، فالدعوة ليست عملاً فردياً منعزلاً، بل هي عمل جماعي تشاركي يهدف إلى بناء مجتمع متماسك على أساس الخير.
وجاءت السنة النبوية لتفصّل وتوضح هذا الهدف العظيم للدعوة، وتضع الأطر العملية لتحقيقه، فقد قال النبي ﷺ: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" (رواه مسلم).
هذا الحديث يؤكد على مسؤولية كل مسلم، وخاصة الداعية، في تغيير المنكرات ونشر الخير، كلٌ حسب استطاعته، مما يدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس قاصراً على فئة معينة، بل هو واجب جماعي.
قال النبي ﷺ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ ومَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ؛ فَالإِمَامُ رَاعٍ وهو مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ في أهْلِهِ رَاعٍ وهو مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ في بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وهي مَسْؤُولَةٌ عن رَعِيَّتِهَا، والخَادِمُ في مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وهو مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ" -رواه البخاري.
لقد كان ﷺ يعلم الناس الصدق والأمانة، والعدل والإحسان، والرحمة والتعاون. وقد حث على كل عمل فيه خير للناس، حتى ولو كان يسيراً، فقال: "تبسمك في وجه أخيك صدقة" (رواه الترمذي)، وهذا يدل على أن الخير يشمل حتى أبسط الأمور التي تسعد الناس وتدخل السرور على قلوبهم.
وقد تجلت هذه الأهداف السامية في سيرة النبي محمد ﷺ تطبيقاً عملياً، فكانت حياته كلها دعوة حية لنشر الخير والصلاح، فمنذ اللحظة التي بعث فيها، بدأ يدعو الناس إلى التوحيد، وهو أصل كل صلاح، وينهاهم عن الشرك، وهو أصل كل فساد. 
ولم يكتفِ ﷺ بالدعوة العقائدية، بل سعى جاهداً إلى بناء مجتمع نموذجي يقوم على العدل والمساواة والرحمة والتكافل الاجتماعي، وأرسى قواعد الأخوة بين المهاجرين والأنصار، وقدم نموذجاً فريداً للتعايش السلمي مع مختلف الطوائف، حتى وإن كانوا على غير ملة الإسلام.


لقد كان ﷺ ينشر العلم، فكان المسجد النبوي مركزاً للعلم والتعلم، كما كان يعالج المشكلات الاجتماعية بنفسه، ويفض النزاعات، ويقيم الحدود، ويقضي بالعدل بين الناس، مما أرسى دعائم الأمن والاستقرار في المجتمع، وكان حريصاً على نشر الأخلاق الفاضلة، فكان يقول: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" (رواه أحمد).


إن هدف الدعوة إلى الله هو بناء مجتمع صالح، يقوم على مبادئ الخير والعدل والإحسان، مجتمع تسود فيه الفضيلة، ويزول منه الفساد.
لذا على كل داعية أن يستشعر هذه المسؤولية العظيمة، وأن يكون قدوة حسنة في نشر الخير والصلاح، بالقول والعمل والسلوك، ليساهم في إحياء الأرض بالإيمان، وجعلها مزهرة بالفضيلة والعدل.
فهل نساهم جميعاً في تحقيق هذا الهدف السامي؟

[ Modified: Friday, 21 November 2025, 11:26 AM ]