
الحمد لله الذي جعل للمسلمين مواسم للخيرات تُعظَّم فيها الطاعات وتغفر فيها السيئات، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ أفضل البريات وعلى آله وصحبة وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فيُعتبر يوم النحر (يوم عيد الأضحى) من أفضل أيام السنة، كما بيَّن النبي ﷺ: «إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القَرِّ» (رواه أبو داود).
آداب يوم العيد وأحكامه:
يُستحب للمسلم أن يبدأ يوم العيد بالاغتسال وارتداء أحسن الثياب والتطيب، اقتداءً بهدي النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح.
ومن السُّنَّة ألا يأكل في عيد الأضحى شيئا حتى يصلي، ليفطر على أضحيته، كما ثبت عن النبي ﷺ.
ويُشرع التكبير جهرًا من الخروج إلى المصلى حتى بدء الصلاة، عملاً بفعل الصحابة كابن عمر رضي الله عنه.
أما صلاة العيد، فهي سُنَّة مؤكدة، بل ذهب بعض العلماء -كشيخ الإسلام ابن تيمية- إلى وجوبها لكونها من شعائر الإسلام الظاهرة التي تُظهر وحدة المسلمين واجتماعهم.
وقد حثَّ النبي ﷺ النساء على حضورها، حتى الحُيَّض، ليشهدن الخير ويشاركن في الدعاء.
من أحكام يوم العيد:
• يُحرم صيام يومي العيد (الفطر والأضحى)، لقول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يومين: يوم الفطر ويوم النحر" (صحيح مسلم 827).
والحكمة في ذلك إظهار الفرح والإفطار بعد الصيام في الفطر، والأكل من الأضحية في الأضحى.
• يتأكد على المسلم وينبغي عليه الحرص على حضورها لما فيها من أجر عظيم واقتداء بالنبي ﷺ.
• صفة صلاة العيد أنها تُصلى ركعتين، يكبر في الأولى بسبع تكبيرات (مع تكبيرة الإحرام)، وخمس في الثانية (قبل القراءة)، كما روى أبو داود بطرق صحيحة. ويُستحب قراءة سورة "ق" و"اقتربت" (صحيح مسلم 891)، أو "سبح" و"الغاشية" (صحيح مسلم 878).
من أدرك الإمام: يتابعه في التكبيرات ولا يقضي ما فاته منها لأنها سنة.
من آداب العيد:
1. الاغتسال: يُستحب الاغتسال قبل الخروج للصلاة، كما كان ابن عمر يفعل ذلك (الموطأ 428).
2. الأكل قبل الخروج: في عيد الفطر، يُستحب أكل تمرات وترًا قبل الصلاة (البخاري 953)، وأما في عيد الأضحى فيُؤخر الأكل حتى يأكل من الأضحية.
3. التكبير: يبدأ من ليلة العيد حتى خروج الإمام للصلاة، وصفته: "الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد" وهناك صفات أخرى.
4. التهنئة: مشروعة بأي لفظ مباح مثل "تقبل الله منا ومنكم"، كما كان الصحابة يفعلون ذلك (الفتح 2/446).
5. التجمل: يُستحب للرجال لبس أجمل الثياب، أما النساء فلا يتجملن أو يتطيبن عند الخروج.
6. مخالفة الطريق: يُسن الذهاب للمصلى من طريق والعودة من طريق آخر.
الأضحية: حِكَمها وأحكامها:
الأضحية سُنَّة إبراهيم ومحمد عليهما السلام، وهي تعبير عن الشكر لله والتقرب إليه. ويُستحب اختيار الأضحية السمينة السليمة، لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج:32]. وتُجزئ الشاة عن الرجل وأهل بيته، ويُفضَّل أن يذبحها بنفسه إن أمكن، مع التسمية والتكبير، ودعاء القبول.
ويُسنُّ تقسيم لحمها أثلاثًا: للأكل، وللإهداء، وللصدقة، ولا يجوز بيع أي جزء منها. ويجوز إعطاء غير المسلم منها تأليفًا لقلبه، مع مراعاة حقوق الفقراء والمحتاجين، خاصة في ظل الأزمات التي تعانيها بعض المجتمعات الإسلامية.
أيام التشريق: ذكر الله وتحريم الصيام
أيام التشريق (11، 12، 13 من ذي الحجة) أيام فرحٍ وأكلٍ وشربٍ وذكر لله، قال النبي ﷺ: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله» (رواه مسلم). ويُحرَّم صيامها لكونها عيدًا، ويُستحب فيها الإكثار من التكبير المطلق والمقيد، ومن صيغ التكبير كما جاء عن السلف الصالح قول: «الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد». وهناك صيغ أخرى.
خاتمة: وصايا للمسلمين:
1. التوبة النصوح ورد المظالم إلى أهلها قبل التوجه إلى العبادات.
2. إغاثة المحتاجين وإدخال الفرحة على قلوبهم عبر الصدقات وإشراكهم في الأضاحي.
3. الدعاء للأمة بالفرج والنصر، خاصة إخواننا في المناطق المنكوبة.
4. حفظ نعمة الأمن بالشكر والعمل الصالح، قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم:7].