Skip to main content

Blog entry by Sam Sam


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد:


فإن أيام عشر ذي الحجة من المواسم العظيمة التي أقسم الله بها تنويهًا بشرفها، كما قال تعالى: ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ [الفجر:1-2]، وقد نقل بعض المفسرين -عن ابن عباس وابن الزبير- أن هذه الليالي هي عشر ذي الحجة، التي تجتمع فيها أمهات العبادات من صلاة وصيام وحج وصدقة، مما يجعل العمل الصالح فيها أفضل من الجهاد في سبيل الله، إلا لمن خرج بنفسه وماله ولم يعد منهما بشيء، كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ العشرِ. قالوا: يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ؟ فقال رسولُ اللهِ ﷺ: ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلَّا رجل خرج بنفسِه ومالِه فلم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ» (رواه البخاري).


وقد اختلف العلماء في تفضيلها على العشر الأواخر من رمضان، فأجاب شيخ الإسلام ابن تيمية بأن أيام  عشر ذي الحجة أفضل من أيام رمضان، وليالي العشر من رمضان الأخيرة أفضل من ليالي ذي الحجة، وهو تفصيل يُجمع بين النصوص، كما أوضح ابن القيم في "بدائع الفوائد".

ومن الأعمال الفاضلة في هذه الأيام:

  • الشكر: إذ ينبغي للمسلم أن يشكر الله على بلوغه هذه الأيام المباركة، فالشكر سبب لزيادة النعم. قال تعالى: (لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) إبراهيم:7
  • الإكثار من الذكر: كالتكبير والتهليل، اقتداءً بالسلف الصالح الذين كانوا يُكبِّرون في الأسواق حتى يقتدي الناس بهم، وكما روي عن النبي ﷺ: "ما من أيَّامٍ أفضَلَ عندَ اللهِ ولا أحَبَّ إليه فيهنَّ العمَلُ من هذه الأيَّامِ أيَّامِ العَشْرِ؛ فأكْثِروافيهنَّ منَ التَّحميدِ، والتَّهليلِ، والتَّكبير" رواه أحمد
  • الدعاء: خاصة يوم عرفة، حيث قال النبي ﷺ: «أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة» (رواه الترمذي).
  • الصدقة وتفطير الصائمين: فمن فطر صائمًا نال مثل أجره، دون أن ينقص من أجر الصائم شيئًا (رواه الترمذي). 
    وجاء في الصدقة قوله -عليه السلام-: (كلُّ امرئٍ في ظِلِّ صَدَقَتِه حتى يُقْضَى بين الناسِ. قال يزيد: فكَانَ أبُو مرثدٍ لا يُخْطِئُهُ يَوْمٌ إلَّا تَصَدَّقَ فيهِ بِشيءٍ، و لَوْ كَعْكَةً أوْ بَصَلَةً)
  • قراءة القرآن وقيام الليل: فقراءة الحرف بعشر حسنات، وقيام الليل من علامات التقوى، كما قال تعالى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ [السجدة:16]. وعن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: (منْ قرأَ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها لا أقولُ آلم حرفٌ، ولَكِن ألِفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ) صحيح الترمذي
  • الصوم: وهو من أبرز الأعمال، خاصة يوم عرفة الذي يكفر سنتين، وقد اختلفت الروايات عن النبي ﷺ في صوم العشر، فحديث عائشة: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائمًا في العشر قط» (رواه مسلم) يحتمل تأويلات، كاحتمال صومه دون أن تراه، أو خشية إلزام الأمة، بينما ثبت صومها عن بعض الصحابة كأبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم، مما يدل على استحبابها.
    وأما الخلاف حول صومها، فقد أجاب العلماء بأن النصوص العامة في فضل العمل الصالح تشمل الصوم، وأن نفي رؤية عائشة لا ينفي الوقوع، كما أن فعل الصحابة يؤيد الاستحباب، كما ذكر ابن حجر في "فتح الباري".
    فهذه الأيام فرصة عظيمة ينبغي اغتنامها بالطاعات، وقد أجاد الحافظ ابن رجب حين قال: «واستيعاب عشر ذي الحجة بالعبادة ليلًا ونهارًا أفضل من جهاد لم يذهب فيه نفسه وماله». 


نسأل الله أن يوفقنا لاستثمارها واستيعاب أوقاتها بالطاعة والعبادة، وأن يتقبل منا ذلك إنه سميع عليم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.