
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
إن عظمة الدين الإسلامي تكمن في كونه رسالة الله الخاتمة إلى البشرية، دينًا شاملاً كاملاً، لا يترك جانبًا من جوانب الحياة إلا ونظمه وشرعه، مستمدًا قوته وجلاله من مصدريه العظيمين: القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
فمنذ اللحظة التي بزغ فيها فجر الإسلام ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بدأ نور الهداية ينتشر ليضيء دروب الظلام والجهل التي كانت تخيم على العالم، حاملًا معه قيمًا ومبادئ سامية أسست لحضارة عريقة، غيّرت وجه التاريخ.
لم يكن الإسلام مجرد طقوس وشعائر جوفاء، بل كان منهاج حياة متكامل، يربي النفوس ويهذب الأخلاق ويسمو بها إلى أرفع الدرجات الإنسانية، يتجلى هذا بوضوح في أسس هذا الدين؛ فالتوحيد الخالص لله سبحانه وتعالى هو عماده، وهذا ما أكده القرآن الكريم في آيات كثيرة، منها قوله تعالى في سورة الإخلاص: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾، هذه الآية الكريمة ترسخ مفهوم الوحدانية وتجرد الله تعالى من أي شريك أو شبيه، وهو ما يحرر العقل البشري من خرافات الشرك وعبودية المخلوق للمخلوق، ليرتبط بالخالق وحده، ومن هذا التوحيد ينبثق الشعور بالعزة والكرامة الإنسانية، فلا يركع الإنسان إلا لمن خلقه وسواه.
لم يقتصر الإسلام على الجانب العقائدي فحسب، بل شمل جميع مناحي الحياة، فوضع تشريعات عادلة تحكم العلاقات بين الأفراد، وتحفظ الحقوق والواجبات.
ولعل خير دليل على ذلك هو العدالة الاجتماعية التي أرسى الإسلام دعائمها، وأمر بها القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، وهذا الأمر الإلهي لم يكن مجرد توصية، بل كان مبدأً حاكمًا في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد كان عادلًا في حكمه وقضائه بين الناس، لا يفرق بين غني وفقير، ولا قوي وضعيف، وهذا ما تجلى في قصة المرأة المخزومية التي سرقت، حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" رواه البخاري.
هذه الحادثة تبين بوضوح أن العدل في الإسلام فوق كل اعتبار، حتى لو تعلق الأمر بأقرب الناس إليه، وهذا ما زرع في قلوب الصحابة رضوان الله عليهم مبادئ العدل والإنصاف التي طبقوها في حكمهم وسيرتهم. كما أن الأخلاق الفاضلة تشكل ركنًا أساسيًا في هذا الدين، فقد بُعث النبي -صلى الله عليه وسلم- ليتمم مكارم الأخلاق، كما قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، السلسلة الصحيحة للألباني.
وهذه المكارم تتجلى في الصدق والأمانة والتواضع والإحسان إلى الجار وصلة الرحم وبر الوالدين والعفو والتسامح، وهي قيم تعلو بالإنسان وتصنع مجتمعًا متماسكًا قويًا.
أما عن الجانب التشريعي، فقد جاء الإسلام بتشريعات متوازنة تراعي فطرة الإنسان وحاجاته، فشرع الصلاة التي تربط العبد بربه وتقوي إيمانه وتزكي نفسه، وشرع الزكاة لتطهير المال وتحقيق التكافل الاجتماعي بين الأغنياء والفقراء، وشرع الصيام لتهذيب النفس وتدريبها على الصبر والإرادة، وشرع الحج لجمع المسلمين من كل بقاع الأرض على كلمة واحدة وفي مكان واحد، في مشهد عظيم يدل على وحدة الأمة الإسلامية وتآلفها. كل هذه التشريعات لم تكن عبئًا على الإنسان، بل كانت رحمة به، ومنظومة متكاملة تهدف إلى تحقيق سعادته في الدنيا والآخرة، والدليل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾، فالدين الإسلامي دين يسر لا عسر، ودين رحمة لا شدة.
إن عظمة هذا الدين تكمن أيضًا في شموليته، فهو لا يقتصر على جانب واحد من حياة الإنسان، بل ينظم جميع جوانبها، من العبادات والمعاملات إلى الأخلاق والقضاء والاقتصاد والسياسة، فكل ما يمس حياة الإنسان ووجوده، وضع الإسلام له منهجًا واضحًا مستقيمًا.
لقد شهدت البشرية على مر العصور كيف أخرج الإسلام الناس من الظلمات إلى النور، وكيف بنى حضارة أضاءت العالم بأسره بالعلم والمعرفة والفنون والآداب، كانت منارات تهتدي بها الأمم، وما هذا إلا بفضل تمسك المسلمين بكتاب ربهم وسنة نبيهم.
وفي الختام، إن عظمة الدين الإسلامي تتجلى في كونه رسالة إلهية خالدة، صالحة لكل زمان ومكان، تلبي حاجات الإنسان الروحية والمادية، وتقدم له سبيلًا واضحًا للحياة الهادئة المطمئنة في الدنيا، والفوز العظيم في الآخرة. لقد كانت سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- تجسيدًا حيًا لهذه العظمة، فقد كان قرآنًا يمشي على الأرض، بصدقه وأمانته وعدله ورحمته وحكمته، كان المثل الأعلى والقدوة الحسنة لكل من أراد أن ينهل من معين هذا الدين العظيم.