Skip to main content

Blog entry by Sam Sam


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
إنّ الدعوة إلى الله ليست مجرد نشاطٍ عرضي في حياة المسلم، بل هي جوهر وجوده ورسالته التي خُلق من أجلها، فهي تستمد شرعيتها من أصل الوجود الإنساني الذي وضعه الله تعالى في قوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56).
فمن هذه الآية الكريمة تنبثق الأهداف العظيمة للدعوة، التي تُعدُّ بيانَ غاية الخلق وهدايةَ البشر إلى الحق ركيزتَيها الأساسيتين.
الهدف الأول: بيان الغاية من الخلق  
إنّ أول أهداف الدعوة كشفُ الحقيقة الوجودية التي غفل عنها الناس في ظل زحمة الحياة المادية: لماذا خُلق الإنسان؟ وما الغاية من هذا الوجود؟ تساؤلاتٌ تعصف بالإنسان -غير المؤمن- وتجعله في حيرة وشتات.
لقد خلق الله الإنسان لعبادته وتوحيده، وهي عبادة شاملة لا تقتصر على الشعائر الظاهرة، بل تشمل كل حركة وسكنة في الحياة، وفي كل شؤونه ما تعلق منها بالقلب وما تعلق بالجوارح واللسان، كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الأنعام: 162).  
والدعوة هنا تُزيل الغشاوة عن العقول الغافلة عن حكمة الوجود، وتُذكر بأن الحياة ليست صراعًا من أجل المال أو السلطان، بل هي اختبارٌ لمدى الاستجابة لأمر الله، وقد جسّد الأنبياء -عليهم السلام- هذا الهدف، فكانت رسالتهم واحدة: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ} (الأعراف: 59).  
الهدف الثاني: هداية الناس إلى طريق الحق  
إنّ أعظم إحسانٍ يقدّمه الداعية هو إنقاذ الناس من ظلمات الضلال إلى نور اليقين، ومن غياهب الشرك إلى صحو التوحيد وهذا الهدف يتجلى من خلال:  
1. إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، بتصحيح العقيدة وتحرير العقول من الخرافة والشرك.  
2. بيان طريق النجاة، عبر تعليم شرع الله الذي يحقق السعادة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (الملك: 2).  
3. الرحمة بالخلق، فالداعي كالقابلة التي تُخرج الإنسان ليرى الحياة، فهو يخرج الناس من ظلمات الجهل إلى نور الإيمان، تحقيقًا لقوله -تعالى- في وصف النبي ﷺ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 107).  

إنّ توازن الأهداف في منهج الأنبياء -عليهم السلام-
لم يفصلهم بين هذين الهدفين، فبيانُ الغاية من الخلق كان مدخلاً طبيعيًا للهداية إلى الحق، وقد حذر النبي ﷺ من الإخلال بهذا التوازن، فقال: (مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) -رواه البخاري.
فالدعوة جهادٌ لاستعلاء كلمة الله، لا للهيمنة السياسية أو المكاسب الدنيوية أو غرضٍ آخر.

ختامًا: إنّ نجاح الداعية يُقاس بقدرته على تحقيق هذين الهدفين: الإجابة عن سؤال "لماذا أنا هنا؟" في نفوس المدعوين، ثم قيادتهم إلى الإجابة الصحيحة: العبادة والاستقامة على شرع الله.
وهذه هي الدعوة الحقة التي تُحيي القلوب كما يُحيي المطر الأرض الميتة، فليكن شعار الداعية قول الله تعالى: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (النحل: 125)، فهو السبيل لتحرير الإنسان من سجن الوهم، وإطلاقه نحو فضاء الحكمة والسعادة.
اللهم نوّر قلوبنا بالهداية إليك وحسن العبادة لك، واجعلنا من الدعاة العاملين المتمسكين بسنة نبيك عليه السلام.